فصل: السنة الأولى من ولاية الحاكم منصور

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **


 السنة الأولى من ولاية الحاكم منصور

وهي سنة سبع وثمانين وثلاثمائة‏:‏ فيها استولى الحاكم صاحب الترجمة خليفة مصر على السواحل والشامات‏.‏

وفيها حج بالناس أبو عبد الله العلوي‏.‏

وفيها توفي الحسن بن عبد الله بن سعيد أبو أحمد العسكري العلامة الراوية صاحب التصانيف الحسان في اللغة والأدب والأمثال‏.‏

وفيها توفي الحسن بن مروان أبو علي الكردي الأمير صاحب ميافارقين‏.‏

قد ذكرنا مبدأ أمره وكيف تغلب على ديار بكر وملك حصونها‏.‏

مات قتيلًا على باب آمد‏.‏

وفيها توفي صندل الخادم مولى بهاء الدولة وصاحب خيله أعني أمير آخوره وقام الأمير أبو المسك عنبر مقامه‏.‏

وفيها توفي السلطان فخر الدولة أبو الحسن علي ابن السلطان ركن الدولة الحسن بن بويه بن فناخسرو الديلمي مات بالري وكان ابن أخيه بهاء الدولة بواسط فجلس للعزاء وجلس ابنه أبو منصور ببغداد‏.‏

وقيل‏:‏ إن فخر الدولة سم وسم ولداه من بعده فمات الكل في هذه السنة فملك أبو الحسين قابوس بن وشمكير من بعده طبرستان وجرجان فإنهما كانا في مملكته وأخذهما منه مؤيد الدولة أخو فخر الدولة هذا المقدم ذكره‏.‏

وكان فخر الدولة شجاعًا لقبه الخليفة الطائع بملك الأمة أو بفلك الأمة‏.‏

وكانت وفاته في عاشر شعبان وله ست وأربعون سنة وخمسة أيام‏.‏

وكانت مدة ملكه ثلاث عشرة سنة وعشرة أشهر وسبعة وعشرين يومًا‏.‏

وخلف مالًا كثيرًا‏.‏

وقال ابن الصابىء بعد ما عدد ما خلفه من المتاع وغيره قال‏:‏ وخلف ألفي ألف وثمانمائة ألف وخمسة وسبعين ألفًا ومائتين وأربعة وثمانين دينارًا ومن الورق والنقرة والفضة مائة ألف ألف وثمانمائة ألف وستين ألفًا وسبعمائة وتسعين درهمًا ومن الجواهر واليواقيت الحمر والصفر والحلي واللؤلؤ والبلخش والماس وغيره أربعة عشر ألفًا وخمسمائة وعشرين قطعة قيمتها ثلاثة آلاف ألف دينار ومن أواني الذهب ما وزنه ثلاثة آلاف ألف دينار ومن البلور والصيني ونحوه ثلاثة آلاف ومن السلاح والثياب والفرش ثلاثة آلاف حمل‏.‏

وقيل‏:‏ إنه خلف من الخيل والبغال والجمال ثلاثين ألف رأس ومن الغلمان والمماليك خمسة آلاف ومن السراري خمسمائة ومن الخيام عشرة آلاف خيمة‏.‏

وكان شحيحًا‏.‏

كانت مفاتيح خزائنه في الكيس الحديد مسمرًا بالمسامير لا يفارقه‏.‏

وملك بعده ابنه أبو طالب رستم وعمره أربع سنين‏.‏

وفيها توفي محمد بن أحمد بن إسماعيل بن عنبس أبو الحسين البغدادي الواعظ ويعرف بابن سمعون وكان يسمى الناطق بالحكمة‏.‏

قال أبو عبد الرحمن السلمي‏:‏ هو من مشايخ بغداد له لسان عالٍ في العلوم لا ينتمي إلى أستاذ وهو لسان الوقت المرجوع إليه في آداب المعاملات‏.‏

وفيها توفي نوح بن منصور بن نوح أبو القاسم الساماني‏.‏

كان هو وآباؤه من ملوك ما وراء النهر وسمرقند‏.‏

وولي نوح هذا وله ثلاث عشرة سنة وتعصب له عضد الدولة بن بويه وأخذ له من الخليفة الطائع العهد على خراسان والخلع فأقام على خراسان إحدى وعشرين سنة ومات في شهر رجب‏.‏

وفيها توفي صمصام الدولة المرزبان وكنيته أبو كاليجار بن عضد الدولة بن بويه بن ركن الدولة الحسن بن بويه الديلمي‏.‏

ولي المملكة بعد موت أبيه عضد الدولة فلم ينجح أمره وغلب عليه أخوه شرف الدولة وقهره وحبسه وأخذ بغداد منه وأكحله‏.‏

فدام في الحبس إلى أن مات أخوه شرف الدولة ونزل من الحبس وهو أعمى‏.‏

وانضم إليه أناس وسار إلى فارس وملك شيراز‏.‏

ووقع له أمور مع أولاد أخيه وحروب‏.‏

وأقام بشيراز إلى أن قتل بها في هذه السنة وقيل‏:‏ في السنة الآتية وهو الأصح‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وإصبع واحدة‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

السنة الثانية من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثمانٍ وثمانين وثلاثمائة‏:‏ فيها توفي محمد بن أحمد بن إبراهيم أبو الفرج المقرىء الشنبوذي مولده في سنة ثلاثمائة‏.‏

كان يقول‏:‏ أحفظ خمسين ألف بيت من الشعر من شواهد القرآن‏.‏

ومات ببغداد وبها كان مولده‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد بن إبراهيم بن خطاب الإمام أبو سليمان الخطابي البستي الفقيه الأديب مصنف كتاب معالم السنن وكتاب غريب الحديث وكتاب شرح أسماء الله الحسنى وكتاب الغنية عن الكلام وأهله وكتاب العزلة وغير ذلك‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن محمد بن زكرياء الحافظ أبو بكر الشيباني الجوزقي المعدل شيخ نيسابور ومحدثها وابن أخت محدثها أبي إسحاق إبراهيم بن محمد وجوزق‏:‏ من قرى نيسابور كان حافظًا إمامًا صنف المسند الصحيح على كتاب مسلم‏.‏

ومات في شوال عن اثنتين وثمانين سنة‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع واثنتا عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وسبع أصابع‏.‏

السنة الثالثة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسع وثمانين وثلاثمائة‏:‏ فيها حج بالناس محمد بن محمد بن عمر من العراق وكان في الحج الشريفان‏:‏ الرضي والمرتضى فاعترض ركب الحاج أبو الجراح الطائي فأعطياه تسعة آلاف دينار من أموالهما حتى أطلق الحاج‏.‏

وفيها استولى الأمير أبو القاسم محمود بن سبكتكين على أعمال خراسان بعد أن هزم الأمير عبد الملك بن نوح الساماني وأزال السامانية منها وأقام الدعوة للخليفة القادر بعد أن كانت وفيها توفي زاهر بن أحمد بن محمد بن عيسى أبو علي السرخسي الفقيه الشافعي المقرىء المحدث‏.‏

سمع الكثير وروى عنه غير واحد‏.‏

ومات في شهر ربيع الآخر وله ست وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي عبد الله بن أبي زيد عبد الرحمن الفقيه أبو محمد القيرواني شيخ المالكية بالمغرب‏.‏

جمع مذهب الإمام مالك رضي الله عنه وشرح أقواله‏.‏

وكان واسع العلم كثير الحفظ ذا صلاح وعفة وورع‏.‏

قال القاضي عياض بن موسى بن عياض‏:‏ حاز رياسة الدين والدنيا ورحل إليه من الأمصار‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة الرابعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة تسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها ظهر بسجستان معدن الذهب فكانوا يصفون من التراب الذهب الأحمر‏.‏

وفيها ولى الحاكم صاحب مصر على نيابة الشام فحل بن تميم فمرض ومات بعد أشهر فولى وفيها حج بالناس من العراق أبو الحارث العلوي‏.‏

وفيها توفي الحسين بن محمد بن خلف أبو عبد الله الفراء والد القاضي أبي يعلى‏.‏

كان إمامًا فقيهًا على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة وسمع الحديث وتفقه وبرع‏.‏

ومات في شعبان ببغداد‏.‏

وفيها توفي المعافى بن زكرياء بن يحيى بن حميد بن حماد بن داود أبو الفرج النهرواني ويعرف بابن طرارى‏.‏

ولد سنة ثلاث وثلاثمائة وقيل‏:‏ سنة خمس وثلاثمائة‏.‏

وكان إمامًا في النحو واللغة وأصناف الآداب وكان يتفقه على مذهب محمد بن جرير الطبري‏.‏

وصنف كتاب الجليس والأنيس‏.‏

قال المعافى المذكور‏:‏ حججت فكنت بمنىً فسمعت مناديًا ينادي‏:‏ يا أبا الفرج فقلت‏:‏ لعله غيري‏.‏

ثم نادى يا أبا الفرج المعافى فهممت أن أجيبه‏.‏

ثم إنه رجع فنادى‏:‏ يا أبا الفرج المعافى بن زكرياء النهرواني فقلت عند ذلك‏:‏ ها أنا‏:‏ فما تريد‏.‏

قال‏:‏ لعلك من نهروان الشرق قلت نعم قال‏:‏ نحن نريد نهروان الغرب‏.‏

قال‏:‏ فعجبت من هذا الاتفاق‏.‏

قلت‏:‏ وهذا من الغرائب كونه طابق اسمه واسم أبيه والكنية والشهرة ويكون هذا من نهروان الشرق وذاك من نهروان الغرب‏.‏

وكانت وفاته في ذي الحجة وله خمس وثمانون سنة‏.‏

وفيها توفي ناجية بن محمد بن سليمان أبو الحسن الكاتب البغدادي نادم الخلفاء والأكابر وكان ولما رأيت الصبح قد سل سيفه وولى انهزامًا ليله وكواكبه ولاح احمرار قلت قد ذبح الدجى وهذا دم قد ضمخ الافق ساكبه أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ثلاث أذرع وأربع عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وإصبعان‏.‏

السنة الخامسة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها جلس الخليفة القادر بأبهة الخلافة ودخل عليه الحجاج بعد عودهم من الحج والقضاة والأشراف فأعلمهم أنه قد جعل الأمر في ولده أبي الفضل ولقبه الغالب بأمر الله وعمره ثماني سنين وأربعة أشهر وأيام‏.‏

وفيها حج من العراق بالناس أبو الحارس محمد بن محمد بن عمر العلوي‏.‏

وفيها توفي جعفر بن الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات الوزير المحدث أبو الفضل المعروف بابن حنزابة‏.‏

كان أبوه قد وزر للمقتدر سنة خلع‏.‏

وسافر هو إلى مصر وتقلد الوزارة لكافور الإخشيذي وسمع الحديث بمصر ورواه ومات بمصر‏.‏

وفيها توفي المقلد بن المسيب بن رافع حسام الدولة أبو حسان العقيلي صاحب الموصل‏.‏

كان أخوه أبو الفؤاد أول من تغلب على الموصل وملكها في سنة ثمانين وثلاثمائة وملك حسام الدولة هذا الموصل بعده وكان حسن التدبير واتسعت مملكته‏.‏

وأرسل إليه الخليفة القادر اللواء والخلع‏.‏

وكان له شعر وفيه رفض فاحش‏.‏

قتله غلام له تركي في صفر‏.‏

قلت‏:‏ لا شلت يداه‏!‏‏.‏

يقال‏:‏ إنه قتله لأنه سمعه يوصي رجلًا من الحاج أن يسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول له‏:‏ لولا صاحباك لزرتك‏.‏

وذكر الذهبي هذه الحكاية بإسناد إلى جماعة إلى أن قال عن الرجل الذي قال له المقلد هذا بالسلام إنه قال‏:‏ فأتيت المدينة ولم أقل ذلك إجلالًا فنمت فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في منامي فقال‏:‏ يا فلان لم لم تؤد الرسالة فقلت‏:‏ يا رسول الله أجللتك فرفع رأسه إلى رجل قائم فقال له‏:‏ خذ هذا الموس واذبحه به يعني المقلد‏.‏

ثم رجعنا فوافينا العراق فسمعت أن الأمير المقلد ذبح على فراشه ووجد الموسى عند رأسه فذكرت للناس الرؤيا فشاعت فأحضرني ابنه يعني ابن المقلد الذي ولي بعده واسمه قرواش فحدثته فقال‏:‏ أتعرف الموسى فقلت نعم فأحضر طبقًا مملوءًا مواسي فأخرجته منها فقال‏:‏ صدقت هذا وجدته عند رأسه وهو مذبوح‏.‏

قلت‏:‏ هذا ما جوزي به في الدنيا وأما في الأخرى فجهنم وبئس المصير هو وكل من يعتقد معتقده إن شاء الله تعالى‏.‏

وفيها توفي جيش بن محمد بن صمصامة أبو الفتوح القائد المغربي ابن أخت أبي محمود الكتامي أمير أمراء جيوش المغرب ومصر والشام وتولى نيابة دمشق غير مرة وكان ظالمًا سفاكًا للدماء‏.‏

ظلم الناس فاجتمع الصلحاء والزهاد ودعوا عليه فسلط الله عليه الجذام حتى رأى في نفسه العبر ولم ينته حتى أخذه الله‏.‏

وفيها توفي الحسين بن أحمد بن الحجاج أبو عبد الله الشاعر كان من أولاد العمال والكتاب ببغداد وتولى حسبة بغداد لعز الدولة بختيار بن بويه فتشاغل بالشعر والسخف والخلاعة عما هو بصدده‏.‏

قلت‏:‏ وابن الحجاج هذا يضرب به المثل في السخف والمداعبة والأهاجي‏.‏

وغالب‏.‏

شعره في الفحش والأهاجي والهزل من ذلك قوله‏:‏ المستعان بربي من كس ستي وزبي قد كلفاني نيكًا قد كان يقصف صلبي وقال ابن خلكان‏:‏ الشاعر المشهور ذو المجون والخلاعة في شعره‏.‏

كان فرد زمانه في فنه فإنه لم يسبق إلى تلك الطريقة مع عذوبة ألفاظه وسلامة شعره من التكلف ومدح الملوك والأمراء والوزراء‏.‏

وديوانه كبير أكثر ما يوجد في عشرة مجلدات‏.‏

والغالب عليه الهزل وله في الجد أيضًا‏.‏

ويقال‏:‏ إنه في الشعر في درجة امرىء القيس وأنه لم يكن بينهما مثلهما لأن كل واحد أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع وإصبعان‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وعشرون إصبعًا‏.‏

السنة السادسة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها في المحرم غزا السلطان محمود بن سبكتكين الهند فالتقاه صاحبها الملك جيبال ومعه ثلاثمائة فيل فنصر الله ابن سبكتكين وقتل من الكفار خمسة آلاف ومن الفيلة خمسة عشر فيلًا‏.‏

وفيها ولى الحاكم على دمشق أبا منصور ختكين القائد فظلم وأساء السيرة‏.‏

وفيها توفي عثمان بن جني العلامة أبو الفتح النحوي اللغوي الموصلي صاحب المصنفات منها اللمع والكافي في شرح القوافي و المذكر والمؤنث وسر الصناعة والخصائص وشرح المتنبي وغير ذلك‏.‏

وكان أبوه جني مملوكًا روميًا لسليمان بن فهد بن أحمد الأزدي الموصلي‏.‏

وسكن ابن جني المذكور بغداد ودرس بها وأقرأ حتى مات في صفر‏.‏

وفيها توفي علي بن عبد العزيز أبو الحسن الجرجاني قاضي الري‏.‏

سمع الحديث الكثير وترقى في العلوم حتى برع في الفقه والشعر والنحو وغير ذلك من العلوم‏.‏

وفيها توفي محمد بن محمد بن جعفر أبو بكر القاضي الشافعي ويعرف بابن الدقاق صاحب الأصول كان معدودًا من الفضلاء مات ببغداد‏.‏

وفيها توفي الوليد بن بكر بن مخلد بن أبي زياد أبو العباس الأندلسي رحل في طلب العلم إلى مصر والشام والعراق والحجاز وخراسان وما وراء النهر وسمع الكثير‏.‏

وكان إمامًا عالمًا بالفقه والنحو والحديث والأدب والشعر‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ لأي بلائك لا تدكر وماذا يضرك لو تعتبر فبان الشباب وحل المشيب وحان الرحيل فما تنتظر أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم ست أذرع وسبع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وعشر أصابع‏.‏

السنة السابعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها منع عميد الجيوش يوم عاشوراء من النوح وتعليق المسوح ببغداد وغيرها ثم منع أهل السنة مما كانوا ابتدعوه أيضًا في مقابلة الرافضة من التوجه إلى قبر مصعب بن الزبير وغيره وفي شهر ربيع الآخر منها أمر نائب دمشق من قبل الحاكم صاحب مصر تمصولت الأسود الحاكمي بمغربي فضرب وطيف به على حمار ونودي عليه‏:‏ هذا جزاء من يحب أبا بكر وعمر ثم أمر به فضربت عنقه‏.‏

رحمه الله تعالى‏.‏

وفيها نازل السلطان محمود بن سبكتكين سجستان وأخذها من صاحبها خلف بن أحمد بالأمان‏.‏

وفيها لم يحج أحد من العراق خوفًا من الأصيفر الأعرابي‏.‏

وفيها زلزل الشام والعواصم والثغور فمات تحت الهدم خلائق كثيرة‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن حماد أبو نصر الجوهري مصنف كتاب الصحاح في اللغة‏.‏

كان أصله من فاراب أحد بلاد الترك وكان يضرب المثل به في حفظ اللغة وحسن الكتابة وخطه يذكر مع خط ابن مقلة ومهلهل واليزيدي‏.‏

وكان يؤثر الغربة على الوطن دخل بلاد ربيعة ومضر في طلب العلم واللغة‏.‏

وفي كتابه الصحاح لقول إسماعيل بن محمد النيسابوري‏:‏ هذا كتاب الصحاح سيد ما صنف قبل الصحاح في الأدب يشمل أنواعه ويجمع ما فرق في غيره من الكتب مات الجوهري مترديًا من سطح داره بنيسابور‏.‏

وفيها توفي أمير المؤمنين الطائع لله أبو بكر عبد الكريم ابن الخليفة المطيع لله الفضل ابن الخليفة المقتدر بالله جعفر ابن الخليفة المعتضد بالله أحمد الهاشمي العباسي البغدادي‏.‏

وأمه أم ولد‏.‏

ولي الخلافة بعد أن خلع والده المطيع نفسه لمرض تمادى به في ذي القعدة سنة ثلاث وستين وثلاثمائة فدام في الخلافة إلى أن خلع بعد القبض عليه في شعبان سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة وبويع القادر بالله بالخلافة‏.‏

واستمر الطائع محبوسًا في دار عند القادر مكرمًا إلى أن مات في هذه السنة في ليلة عيد الفطر وصلى عليه القادر وكبر عليه خمسًا‏.‏

ومات الطائع وله ثلاث وسبعون سنة‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن بن العباس بن عبد الرحمن بن زكرياء الحافظ أبو طاهر البغدادي الذهبي المخلص محدث العراق‏.‏

قال الخطيب أبو بكر‏:‏ كان ثقة‏.‏

مولده في شوال سنة خمس وثلاثمائة وسمع الكثير وروى عنه غير واحد‏.‏

وفيها توفي إبراهيم بن أحمد بن محمد أبو إسحاق الطبري المقرىء شيخ الشهود ومقدمهم ببغداد والبصرة والكوفة ومكة والمدينة‏.‏

قرأ القرآن وسمع الكثير وكان مالكي المذهب وحج فأم بالناس بالمسجد الحرام أيام الموسم وما تقدم فيه إمام ليس بقرشي سواه‏.‏

وقرأ عليه الرضي الموسوي القرآن‏.‏

وسكن بغداد وحدث بها إلى أن توفى بها رحمه الله‏.‏

وفيها توفي محمد بن عبد الله بن محمد بن محمد بن حليس السلامي الشاعر المشهور كان فصيحًا بليغًا‏.‏

ومن شعره وهو في المكتب وهو أول قوله‏:‏ بدائع الحسن فيه مفترقه وأعين الناس فيه متفقه سهام ألحاظه مفوقة فكل من رام لحظه رشقه قال الثعالبي في حقه‏:‏ هو من أشعر أهل العراق قولًا بالإطلاق وشهادة بالاستحقاق‏.‏

ثم قال بعدما أثنى عليه‏:‏ وقال الشعر وهو ابن عشر سنين‏.‏

وفيها توفيت ميمونة بنت ساقولة الواعظة البغدادية‏.‏

كان لها لسان حلو في الوعظ‏.‏

قالت‏:‏ هذا قميصي له اليوم سبع وأربعون سنة ألبسه وما تخرق غزلته لي أمي الثوب إذا لم يعص الله فيه لا يتخرق‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وعشرون إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الثامنة من ولاية الحاكم منصور فيها قلد بهاء الدولة الشريف أبا أحمد الحسين بن موسى الموسوي قضاء القضاة والحج والمظالم ونقابة الطالبيين ولقبه الطاهر الأوحد ذا المناقب فلم ينظر في القضاء لامتناع الخليفة القادر بالله من الإذن له في ذلك‏.‏

وفيها حج بالناس من العراق أبو الحارث محمد العلوي فاعترض الركب الاصيفر الشيعي الأعرابي وعول على نهبهم فقالوا‏:‏ من يكلمه ويقرر له ما يأخذه من الحاج فقدموا أبا الحسين بن الرفاء وأبا عبد الله بن الدجاجي وكانا من أحسن الناس قراءة فدخلا عليه وقرآ بين يديه فقال لهما‏:‏ كيف عيشكما ببغداد قالا‏:‏ نعم العيش تصلنا الخلع والصلات‏.‏

فقال‏:‏ هل وهبوا لكما ألف ألف دينار في مرة واحدة‏.‏

قالا‏:‏ لا ولا ألف دينار‏.‏

فقال‏:‏ قد وهبت لكما الحاج وأموالهم فدعوا له وانصرفوا وفرح الناس‏.‏

ولما قرأ بعرفات قال أهل مصر والشام‏:‏ ما سمعنا عنكم تبذيرًا مثل هذا يكون عندكم شخصان مثل هذين فتصحبونهما معكم معًا فإن هلكا فبأي شيء تتجملون بعد ذلك‏!‏‏.‏

ومن حسن قراءتهما وطيب صوتهما أخذهما أبو الحسن بن بويه مع أبي عبد الله بن البهلول فكانوا يصفون به بالنوبة التراويح وهم أحداث السن‏.‏

وفيها توفي الحسن بن محمد بن إسماعيل أبو علي الإسكافي الملقب بالموفق‏.‏

كان بهاء الدولة قد فوض إليه أموره وقام بتدبير ملكه‏.‏

وكان شجاعًا مقدامًا لا يتوجه في أمر إلا وينصر‏.‏

وارتفع أمره حتى قال رجل لبهاء الدولة‏:‏ يا مولانا زينك الله في عين الموفق‏.‏

ولازال الناس به حتى قبض عليه بهاء الدولة وخنقه‏.‏

وفيها توفي خلف بن القاسم بن سهل الحافظ أبو القاسم الأندلسي كان يعرف بابن الدباغ مولده سنة خمس وعشرين وثلاثمائة كان حافظًا مكثرًا جمع مسند الإمام مالك بن أنس رضي الله عنه وحديث شعبة بن الحجاج وأسامي المعروفين بالكنى من الصحابة والتابعين وسائر المحدثين وكان أعلم الناس برجال الحديث والتواريخ والتفسير‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم أربع أذرع سواء‏.‏

مبلغ الزيادة سبع عشرة ذراعًا وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

السنة التاسعة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة خمس وتسعين وثلاثمائة‏.‏

فيها حج بالعراقيين أبو جعفر بن شعيب ولحقهم عطش كبير في طريقهم فهلك خلق كثير‏.‏

وفيها قتل الحاكم صاحب مصر جماعة بمصر من أعيانها صبرًا‏.‏

وفيها كانت وقعة بين بهاء الدولة بن بويه وبين عميد الجيوش انكسر فيها عميد الجيوش وانهزم وفيها خرج أبو ركوة على الحاكم وتعاظم أمره حتى عزم الحاكم على الخروج إلى الشام وبرز إلى بلبيس بالعساكر والأموال فأشير عليه بالعود إلى مصر فعاد وجهز إليه جيشًا فواقعوه غير مرة حتى هزموه حسب ما ذكرناه في أصل ترجمة الحاكم من هذا المحل ونذكره أيضًا في السنة الآتية‏.‏

وفيها توفي أحمد بن محمد البشري الصوفي المحدث رحل في طلب الحديث وجاور بمكة مدة وصار شيخ الحرم ثم عاد إلى مصر فتوفي بالطريق بين مصر ومكة وكان صالحًا ثقة‏.‏

وفيها توفي أحمد بن فارس بن زكرياء بن محمد بن حبيب أبو الحسين الرازي وقيل‏:‏ القزويني المعروف بالرازي المالكي اللغوي نزيل همذان وصاحب المجمل في اللغة‏.‏

سمع الحديث وروى عنه جماعة وولد بقزوين ونشأ بهمذان‏.‏

وكان أكثر مقامه بالري وكان كاملًا في الأدب فقيهًا مالكيًا مناظرًا في الكلام وينصر أهل الديانة وطريقته في النحو طريقة الكوفيين‏.‏

وله مصنفات بديعة‏.‏

ومن شعره قوله‏:‏ مرت بنا هيفاء مجدولة تركية تنمى لتركي ترنو بطرف فاتن فاتر أضعف من حجة نحوي وفيها توفى أحمد بن محمد بن أحمد بن عمر الزاهد أبو الحسين بن أبي نصر النيسابوري الخفاف‏.‏

قال الحاكم‏:‏ كان مجاب الدعوة وسماعاته صحيحة بخط أبيه من أبي العباس السراج وأقرانه وبقي واحد عصره في علوم الإسناد ومات في شهر ربيع الأول‏.‏

قال الحاكم‏:‏ وصليت عليه وله ثلاث وتسعون سنة‏.‏

وفيها توفي محمد بن إسحاق بن محمد بن يحيى بن منده واسم منده‏:‏ إبراهيم بن الوليد بن سيده الحافظ الكبير أبو عبد الله العبدي الأصبهاني المعروف بابن منده رحل وطوف الدنيا وجمع وصنف وكتب ما لا ينحصر‏.‏

وحدث عن أبيه وعم أبيه عبد الرحمن بن يحيى وخلق كثير وروى عنه جماعة‏.‏

قال أبو نعيم وهو معاصره‏:‏ ابن منده حافظ من أولاد المحدثين توفي في سلخ ذي القعدة واختلط في آخر عمره‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم سبع أذرع وخمس عشرة إصبعًا‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعًا وثلاث أصابع‏.‏

M0لنة العاشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة ست وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها حج بالناس من العراق محمد بن محمد بن عمر العلوي وخطب بالحرمين للحاكم صاحب مصر على العادة وأمر الناس بالحرمين بالقيام عند ذكر الحاكم وفعل مثل ذلك بمصر وغيرها وفيها جلس الخليفة القادر بالله العباسي لأبي المنيع قرواش بن أبي حسان ولقبه بمعتمد الدولة وتفرد قرواش المذكور بالإمارة وحده‏.‏

وفيها توفي إسماعيل بن أحمد بن إبراهيم بن إسماعيل أبو سعد الجرجاني كان عالمًا بفنون علم الحديث والفقه والعربية ودخل بغداد وعقد مجلس المناظرة وحضره أبو الطيب الطبري وأبو حامد الأسفراييني‏.‏

وفيها توفي عبد الوهاب بن الحسن بن الوليد بن موسى الكلابي المحدث أبو الحسين الدمشقي يعرف بأخي تنوك سمع الكثير وروى عنه الناس‏.‏

قال عبد العزيز الكناني‏:‏ كان ثقة نبيلًا مأمونًا‏.‏

وكانت وفاته في شهر ربيع الأول ومات وهو مسند وقته‏.‏

الذين ذكر الذهبي وفاتهم في هذه السنة قال‏:‏ وفيها توفي الحافظ أبو عمر أحمد بن عبد الله بن محمد بن علي بن الباجي في المحرم وأبو الحسن أحمد بن محمد بن عمران بن الجندي وهو ضعيف وأبو سعد إسماعيل بن أبي بكر الإسماعيلي شيخ الشافعية وأبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي في شهر ربيع الأول وله تسعون سنة والقاضي أبو الحسن علي بن محمد بن إسحاق الحلبي بمصر وأبو بكر محمد بن الحسن بن الفضل بن المأمون وأبو بكر محمد بن علي بن النضر الديباجي وأبو بكر محمد بن عمر بن علي بن خلف بن زنبور الوراق‏.‏

الماء القديم أربع أذرع وعشر أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة ست عشرة ذراعا وست عشرة إصبعًا‏.‏

السنة الحادية عشرة من ولاية الحاكم منصور وهي سنة سبع وتسعين وثلاثمائة‏:‏ فيها دخل بهاء الدولة البصرة وملكها واستولى على ذخائر ابن واصل‏.‏

وفيها استفحل أمر أبي ركوة الذي خرج على الحاكم وذكرنا أمره في الماضية ودعا لعمه هشام الأموي‏.‏

وأبو ركوة المذكور اسمه الوليد وهو من ذرية هشام بن عبد الملك بن مروان وعظم أمره وانضم عليه الخلائق واستولى على برقة وغيرها وكسر عسكر الحاكم وضرب السكة وصعد المنبر وخطب خطبة بليغة ولعن الحاكم وآباءه وصلى بالناس وعاد إلى دار الإمارة وقد استولى على جميع ما كان فيها‏.‏

وعرف الحاكم بما جرى فانزعج وكف عن القتل وانقطع عن الركوب الذي كان يواصله ثم جهز الحاكم إلى حرب أبي ركوة قائدًا من الأتراك يقال له ينال الطويل وأرسل معه خمسة آلاف فارس وكان معظم جيش ينال من كتامة وكانت مستوحشة من ينال فإنه قتل كبار كتامة بأمر الحاكم فتوجه ينال وواقع أبا ركوة فهزمه أبو ركوة وأخذه أسيرًا وقال له‏:‏ العن الحاكم فبصق في وجه أبي ركوة فأمر أبو ركوة به فقطع إربًا إربًا‏.‏

وأخذ أبو ركوة واشتد الأمر على الحاكم أكثر وأكثر بكسر ينال وبعث إلى الشام واستدعى الغلمان الحمدانية والقبائل وأنفق عليهم الأموال وجهزهم وجعل عليهم الفضل بن عبد الله فطرقهم أبو ركوة وكسرهم وساق خلفهم حتى نزل عند الهرمين بالجيزة وغلق الحاكم أبواب القاهرة ثم عاد أبو ركوة إلى عسكره‏.‏

فندب الحاكم العساكر ثانيًا فسار بهم الفضل في جيوش كثيرة والتقى مع أبي ركوة فهزمه وقتل من عسكره نحو ثلاثين ألفًا‏.‏

ثم ظفر الفضل بأبي ركوة وسار به مكرمًا إلى الحاكم‏.‏

وسبب إكرامه له خوفه عليه من أن يقتل نفسه وقصد الفضل أن يأتي به الحاكم حيًا‏.‏

فأمر الحاكم أن يشهر أبو ركوة على جمل ويطاف به‏.‏

وكانت القاهرة قد زينت أحسن زينة وكان بها شيخ يقال له الأبزاري إذا خرج خارجي صنع له طرطورًا وعمل فيه ألوان الخرق المصبوغة وأخذ قردًا ويجعل في يده درة ويعلمه أن يضرب بها الخارجي من ورائه ويعطى مائة دينار وعشر قطع قماش‏.‏

فلما قطع أبو ركوة الجيزة أمر به الحاكم فأركب جملًا بسنامين وألبس الطرطور وأركب الأبزاري خلفه والقرد بيده الدرة وهو يضربه والعساكر حوله وبين يديه خمسة عشر فيلًا مزينة ودخل القاهرة على هذا الوصف ورؤوس أصحابه بين يديه على الخشب والقصب وجلس الحاكم في منظرة على باب الذهب والترك والديلم عليهم السلاح وبأيديهم اللتوت وتحتهم الخيول بالتجافيف حول أبي ركوة وكان يومًا عظيمًا وأمر به الحاكم أن يخرج إلى ظاهر القاهرة ويضرب عنقه على تل بإزاء مسجد ريدان خارج القاهرة‏.‏

فلما حمل إلى هناك أنزل فإذا به ميت فقطع رأسه وحمل به إلى الحاكم فأمر بصلب جسده‏.‏

وارتفعت منزلة الفضل عند الحاكم بحيث إنه مرض فعاده مرتين أو ثلاثًا وأقطعه إقطاعات كثيرة ثم عوفي من مرضه وبعد أيام قبض عليه الحاكم وقتله شر قتلة‏.‏

وفيها كسا الحاكم الكعبة القباطي البيض وبعث مالًا لأهل الحرمين‏.‏

وفيها توفي عبد الصمد بن عمر بن محمد بن إسحاق أبو القاسم الدينوري الواعظ الزاهد كان فقيهًا زاهدًا عابدًا محدثًا منقطعًا عن الناس وهو من كبار الشيوخ رحمه الله‏.‏

وفيها توفي الشيخ الإمام العالم الحافظ أبو الحسن علي بن عمر القصار المالكي ببغداد‏.‏

أمر النيل في هذه السنة‏:‏ الماء القديم خمس أذرع وأربع أصابع‏.‏

مبلغ الزيادة أربع عشرة ذراعًا وست عشرة إصبعًا‏.‏